الكاتب: نور بشير – ناشطة مدنية ومهتمة بالشأن العام
كانت انتخابات 2021 في العراق نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي، حيث شهدت مقاطعة واسعة من المدنيين والمثقفين والمعارضين. هذه المقاطعة، وإن كانت خطوة احتجاجية، تعكس أزمة ثقة متراكمة لدى الجمهور تجاه الشخصيات المرشحة من الحركات المدنية. وتكشف هذه التجربة عن عيوب في الاستراتيجيات السياسية للقوى المدنية وضرورة إعادة تقييم المسار.
في انتخابات 2021، جاءت المقاطعة كرد فعل على ضعف الثقة في المرشحين، خاصة أولئك الذين يمثلون الحركات المدنية. لكن ما حدث بعدها كان مختلفاً؛ إذ باتت المقاطعة متأصلة بسبب الفشل الفعلي للعديد من المرشحين في تحقيق التغيير المرجو. وهذا يعكس فشل القوى المدنية في استثمار الفرصة الأولى، ما أدى إلى تراجع ثقة الجمهور وابتعاده عن المشاركة.
التجربة الأولى وأهمية الفرص المتعددة
في السياسة، نادراً ما تحقق الفرصة الأولى النجاح الكامل، خاصة في بيئة معقدة ومتغيرة كالعراق. الاعتماد على فرصة وحيدة لتحقيق التغيير يعد خطأً استراتيجياً، حيث تحتاج العملية السياسية إلى استراتيجيات متجددة واستغلال الفرص بشكل مستمر. يجب أن يكون هناك تقييم شامل للخيارات المتاحة، وتخطيط متكامل يضمن المرونة والاستمرارية في مواجهة تحديات النظام السياسي.
التحديات بعد الأنظمة الاستبدادية
إن التجربة السياسية في العراق بعد عهود من الاستبداد، تبرز التحديات الهائلة أمام الأحزاب الجديدة والحركات المدنية. فالبيئة السياسية مشبعة بالتعقيدات، وهناك هيمنة واضحة لجهات معينة على السلطة، مما يصعّب من مهام المدنيين في إيجاد موطئ قدم مؤثر. ومع ذلك، فإن التجارب السياسية، رغم قسوتها، يمكن أن تكون فرصة للتعلم واكتساب الدروس التي تُساعد في تعزيز المشهد السياسي مستقبلاً.
أخطاء المرشحين المدنيين وتقصير التواصل مع الجمهور
من أكبر الأخطاء التي وقع فيها المرشحون المدنيون هو عدم التواصل الفعّال مع الجمهور المقاطع، حيث لم يكن هناك تواصل حقيقي يستمع لمخاوف الناخبين أو يحاول كسب ثقتهم. لم تكن هناك شفافية في الأهداف أو تقارير دورية توضح التقدم، ولم يتم التأكيد على أهمية المشاركة في العملية السياسية وكيف يمكن لها أن تساهم في تحقيق تغييرات إيجابية.
هذه الأخطاء أسهمت في إحباط الجمهور المدني وجعلت من الصعب على المرشحين المدنيين كسب دعم الشعب. كما أن عدم التوضيح للجمهور بأن عدم المشاركة قد يترك المجال للآخرين لاتخاذ القرارات الهامة نيابة عنهم، مثل ما حدث في تعديل قانون الأحوال الشخصية، ساهم في توسيع فجوة الثقة بين الناخبين والمدنيين.
التغيير التدريجي كأداة أساسية في السياسة
التجربة المدنية في العراق لم تفشل بشكل مطلق، بل افتقرت إلى التكافؤ بين الناخبين والمرشحين، ولم تكن هناك ثقة كافية وفرص كثيرة للاستمرار. من أبرز المشكلات التي واجهت المدنيين هو التوقعات العالية التي يضعها الجمهور، حيث يرغب الناخبون في رؤية التغيير خلال دورة برلمانية واحدة، وهذا أمر شبه مستحيل. فالسياسة تتطلب تدرجاً وعملاً مستمراً لتحقيق النتائج المرجوة، حيث يحتاج التغيير الحقيقي إلى وقت وبنية تحتية مناسبة وتعاون مشترك بين القوى المدنية والجمهور.
إن التجربة المدنية في العراق هي تجربة جديدة تحتاج إلى مزيد من الفرص والوقت للنضج. على المدنيين والمجتمع أن يدركوا أن التغيير الفعلي لا يأتي إلا بجهود مستمرة ومتواصلة على مدى دورات انتخابية متعددة، وأن النتائج المرجوة تحتاج إلى صبر وتعاون لتحقيق مستقبل أفضل للعراق.